الخطأ #1.. محاولة أن تكون كاملا
تضيع أحيانا جهودنا ووقتنا الثمين في محاولة الظهور بمظهر الكمال في أداء الأعمال. بوصفنا أناس لطفاء فإن لدينا إحساس متواصل لفعل الأشياء تماما كما ينبغي في كل مرة من المرات, ونحن أيضا نتطلب من الأشخاص أن يؤدوا وظائفهم بصورة كاملة على الدوام. هذه النزعة الكمالية تؤدي إلى إن تثقل كواهلنا, وتضايق الناس من حولنا, وقد لا نتفهم تماما سبب اتخاذنا لهذه النزعة الكمالية, أولا نرى أنها سيئة تمام, ولكننا على الأرجح نعلم أننا سنستريح إذا توقفنا عن ممارستها.
فهم النزعة إلى الكمال على أنها نزعة اجتماعية:
لكي نتوصل إلى التخلي عن النزعة الكمالية ينبغي علينا أن نعلم أننا اجتماعيون بطبيعتنا, وأن هذه النزعة هي مسألة اجتماعية. فنحن اجتماعيون لأننا نستطيع إظهار جوانب هامة من شخصياتنا فقط من خلال العلاقة بالآخرون. نعم شخصيات فردية, ولكننا لا يمكن أن نكون أصحاء إذا انعزلنا عن الآخرين. و النفس الصحيحة هي النفس المندمجة في الجماعة ( مثل العمل الجماعي).فإحساس الرضا الذاتي الناتج من مشاركة الآخرين في العمل هو ما يجعلنا نشعر بأن العمل كاملا. فإذا لم يسمع بهذا العمل الآخرون فذلك يشعرك بالوحدة و بالنقص. كذلك نحن اجتماعيون في أننا نتأثر بالآخرين. فنحن عبارة عن مجموع ديناميكي مؤلف من جميع من لامسوا حياتنا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة, سلبا أم إيجابا. نحن أيضا اجتماعيون في أننا لا نصنع أنفسنا, أسرنا و أصدقاؤنا و العالم أوسع هم من علمونا أن نصبح أشخاصا نستمر في استخدام المعايير التي لولاها لما استطعنا أن ندرك ما ينبغي علينا أن نتوقعه من أنفسنا.
من هنا تنشأ النزعة إلى الكمال. فنحن نجتهد لنكون كاملين لنفي بالمعايير التي وضعها لنا الآخرون, و الآخرون هم كل من هؤلاء الذين يمكنوننا من إتمام حياتنا من خلال علاقاتنا بهم, وهؤلاء الذين يسكنون بداخلنا من خلال تأثيرهم علينا, وهؤلاء الذين نرتبط بهم بطريقة لا فرار منها بوصفه بشر. وفي النهاية فإن محاولة أن نكون كاملين هي محاولة اجتماعية لاشعورية لإرضاء أنفسنا عن طريق إرضاء أولئك الآخرين.
نزعة الكمال و القبول الاجتماعي:
إن القوة الاجتماعية التي تقود نزعاتنا الكمالية هي ما يجب أن نتحرر منها لنكون مقبولين. ولأننا تدربنا على أن نكون لطفاء فإن هذه الحاجة تسيطر علينا في كل لحظه من وعينا, مما يجعلنا نعمل بطريقة تجعل الآخرين يحبوننا و لا يفرطون فينا. وبدلا من أن نتعلم كيف نتقبل أنفسنا, فإننا تدربنا على أن نجعل أنفسنا مقبولين من المجتمع, وعندما نفشل في ذلك نعاني من الداخل. الطبع و اللطافة هما القوى التي توجد قلقا بداخلنا يجعلننا أن ننزع إلى الكمالية و إلى التفكير كالتالي: لو استطعت فقط أن أرضي أولئك الذين أحبهم, فسوف يتقبلونني, و سأكون سعيدا.
لماذا تعد النزعة على الكمال خطأ؟.
لا يتوقف الناس اللطفاء عن مناقشة حقيقة أن النزعة إلى الكمال تتصف بالتالي:
•إنها محاولة حمقاء, وعقيمة لفعل المستحيل.
•ينتج عنها قلق مفرط, و تحول توترنا إلى محنة.
•تجعلنا نشعر كأننا سنموت عند ارتكابنا لخطا ما.
•تجعلنا نضيع الوقت, و الجهد الثمينين.
•تعوق تقدم علاقات الصداقة الحميمة.
•تجعلنا نستاء من أولئك الذين نحاول جاهدين لإرضائهم.
•قد تؤدي إلى عدد من الأمراض التي تهدد حياتنا.
•تؤدي بنا إلى الإفراط الذي لا يشبعنا أبدا.
•تجعلنا نشعر بالغباء, و نصبح لوامين لأنفسنا بطريقة مستبدة.
•تسمح للآخرين بإدارة شئوننا, وهذا فيه ظلم لهم و لنا.
محاولة الوصول إلى الكمال تكون خطأ فقط في الحالات التالية:
•عندما نستغرق في الحفاظ على صورتك السليمة أمام المجتمع.
•عندما لا تكون مستعدا أو مؤهلا للقيام بما يتوقعه الآخرون منك.
•عندما تملي عليك هذه النزعة الطريقة التي تؤدي بها كل الأشياء.
•عندما تدفعك نزعتك على الكمال إلى وضع معايير غير واقعية لنفسك.
•عندما تتكلف في أداء الأعمال من اللطافة, و الوقت, والمال, و القلق بقدر اكبر مما تستحقه هذه الأعمال.
•عندما تتخلى عن تقدمك لإرضاء من لا يهتم بك.
•عندما ينزع منك الفشل, وعدم القبول الإحساس الذي تستحقه بالرضا مقابل الجهد الذي بذلته.
•عندما تضيع وقتك الثمين في محاولة الوصول للكمال, بدلا من قضائه في إنجاز الأولويات الحقيقية.
•عندما تجد أن الأمر يستدعي منك أن توفق بين قيمك و مثلك العليا.
•عندما لا ترضى نفسك أبدا, ولا أولئك الذين يمثلون أهمية لك.
•عندما يكون سعيك الدؤوب نحو الكمال سببا في تدمير صحتك العاطفية, والبدنية.
•عندما ينتهي بك الحال أن تبغض ما تفعله.
الوصول إلى قرار التخلي عن نزعتك نحو الكمال:
تستطيع أن تبدأ بقدرتك على اتخاذ القرار, وهذه القدرة هي من أثمن ثرواتك. هناك خطوتان يجب اتخاذهما على الفور:
الخطوة الأولى: قرر أن النزعة الدائمة نحو تحقيق الكمال تعتبر خطأ. فهو خطأ كبير أن تحيا أساسا لإرضاء الآخرين.
الخطوة الثانية: قرر أن تتوقف عن هذا الخطأ. هذه هي الخطوة الأولى الهامة في الاتجاه الصحيح.
الحل البديل للإرضاء الدائم للآخرين:
من المهم أن تفهم أنك لن تستطيع الانتقال بشكل مفاجئ من الإرضاء الدائم للآخرين إلى الإرضاء الدائم لنفسك. هذا عمل خاطئ و استبدادي أيضا. أن ما تبحث عنه هو الحرية التي تجعلك لا ترتد إلى نزعة الكمال عن طريق تحريرك للتعبير عن أفضل مزاياك, ولخدمة أهم مصالحك. وهذه الحرية ستمكنك من اختيار الوقت الذي تسعى فيه للكمال والوقت الذي لا تفعل فيه ذلك, والوقت الذي تجتهد فيه للامتياز, والوقت الذي تهدئ فيه من نشاطك, والوقت الذي ينبغي أن تفعل فيه ما تحتاج إليه حتى لو لم يحب الآخرون ذلك منك. وهذه حرية حقيقية. أي أن تغير الأفكار التي زرعها المجتمع في نفسك بالحقائق التي تعكس طبيعتك الاجتماعية و التي تحررك من الحاجة الملحة لإرضاء الآخرين. وهذا السلوك يتطلب ولائك لثلاثة مبادئ أساسية:
1. سيكولوجية الاعتماد المتبادل:
في مرحلة الطفولة القوة الدافعة الداخلية التي تربطنا بكل شيء آخر هي الاعتمادية, فنحن معتمدين في كل شيء على آبائنا و أسرنا و جيراننا و مدارسنا و المجتمع. في مرحلة المراهقة نعمد إلى الاستقلالية حيث حاولنا الاعتماد على أنفسنا تقريبا في كل شيء. في مرحلة النضج نترك وراءنا اعتمادية الطفولة و استقلالية المراهقة و ننتقل على مرحلة وسط من الاعتماد المتبادل مع الآخرين, ويؤدي هذا إلى خلق توازن تفاعلي يؤدي إلى النضوج و السلامة النفسية.
اللطافة و الكمالية يعملان على استمرار النفسية الاعتمادية و ينتقصان من قيمة حقوقك و سلطتك, ويعلي من قيمة سلطة الآخرين للتحكم فيك. فيضعان سعادتك النفسية و العاطفية في أيدي من سواك.
الحرية الحقيقية التي تزدهر بازدهار حقوقك كفرد بالغ تعتمد على حقيقة أنك مؤهل لتكون اعتماديا و استقلاليا في نفس الوقت, أي تتحول من الاعتمادية إلى تبادل الاعتمادية بينك و بين الآخرين, ويجب عليك تقدير ذاتك كفرد راشد يعتمد على نفسه و يتحمل مسئولية معيشته, ودائما تدرك مدى ما يستطيع الآخرون المساهمة به من أجلك. أي أن تتعلم كيف تتبادل الاعتماد مع الآخرين, وأن تنمي أسلوبك النفسي كشخص بالغ.
2. المبدأ الأخلاقي للمصلحة العامة:
هذا المبدأ يكشف أنك إذا حاولت إرضاء الجميع فإنك تجعل نفسك أسيرا, ولكنك إذا حاولت أن تخدم مصالح الجميع بما فيهم نفسك, فإنك في الحقيقة تحرر نفسك.
3. قانون الحب:
إن فكرة الحب بمستواه الأولي و الأساسي يعني القبول, فأولئك الذين يحبونك يتقبلونك كما أنت, ثم يتوقعون منك أن تدرك قبولهم لك بالرغم من نقائصك و اخطائك و كل ما تعتبره غير مقبول في نفسك وهم يعلمون أنك غير كامل و تحتاج إلى التطور أكثر مما أنت عليه الآن. ولكن عدم كمالك لا يمنعهم من تقبلك, فالحب يمنحك القبول غير المشروط.
هذه الحب غير المشروط كامل للأسباب التالية:
•إنه لا يمكن نقده, أو تحسينه حيث لا يمكنك أن تتصور شيئا أفضل منه.
•إنه يتقبلنا بطريقة كاملة, وهو يتقبلنا كما نحن.
•إنه يقدرنا بما فيه الكفاية لنسعى نحو الأفضل لنا.
•إنه يربطنا بطريقة تامة بالآخرين, حيث لا تترك فجوة بيننا و بينهم.
•إنه يحقق الأمل و السلام و البهجة التي هي أساس التجربة الإنسانية.
•إنه بطبيعته يلح على العدالة الاجتماعية, وهي المبدأ الإنساني الكامل.